فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

{إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل}.
بالتسوية في الحقوق فيما بينكم وترك الظلم وإيصال كل ذي حق إلى حقه {والإحسان} إلى من أساء إليكم أو هما الفرض والندب لأن الفرض لابد من أن يقع فيه تفريط فيجبره الندب {وَإِيتَاء ذِى القربى} وإعطاء ذي القرابة وهو صلة الرحم {وينهى عَنِ الفحشاء} عن الذنوب المفرطة في القبح {والمنكر} ما تنكره العقول {والبغي} طلب التطاول بالظلم والكبر {يَعِظُكُمُ} حال أو مستأنف {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} تتعظون بمواعظ الله.
وهذه الآية سبب إسلام عثمان بن مظعون فإنه قال: ما كنت أسلمت إلا حياء منه عليه السلام لكثرة ما كان يعرض علي الإسلام، ولم يستقر الإيمان في قلبي حتى نزلت هذه الآية وأنا عنده فاستقر الإيمان في قلبي فقرأتها على الوليد بن المغيرة فقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر.
وقال أبو جهل: إن إلهه ليأمر بمكارم الأخلاق وهي أجمع آية في القرآن للخير والشر، ولهذا يقرءُها كل خطيب على المنبر في آخر كل خطبة لتكون عظة جامعة لكل مأمور ومنهي.
{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عاهدتم} هي البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} [الفتح: 10]، {ولاَ تَنقُضُواْ الأيمان} أيمان البيعة {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} بعد توثيقها باسم الله.
وأكد ووكد لغتان فصيحتان والأصل الواو والهمزة بدل منها {وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} شاهدًا ورقيبًا لأن الكفيل مراع لحال المكفول به مهيمن عليه {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} من البر والحنث فيجازيكم به.
{وَلاَ تَكُونُواْ} في نقض الأيمان {كالتى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ} كالمرأة التي أنحت على غزلها بعد أن أحكمته وأبرمته فجعلته {أنكاثا} جمع نكث وهو ما ينكث فتله.
قيل: هي ريطة وكانت حمقاء تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن {تَتَّخِذُونَ أيمانكم} حال ك {أنكاثا} ً {دَخَلًا} أحد مفعولي {تتخذ} أي ولا تنقضوا أيمانكم متخذيها دخلًا {بَيْنِكُمْ} أي مفسدة وخيانة {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ} بسبب أن تكون أمة يعني جماعة قريش {هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} هي أزيد عددًا وأوفر مالًا من أمة من جماعة المؤمنين.
{هي أربى} مبتدأ وخبر، في موضع الرفع صفة ل {أمة} و{أمة} فاعل {تكون} وهي تامة و{هي} ليست بفصل لوقوعها بين نكرتين {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ} الضمير للمصدر أي إنما يختبركم بكونهم أربى لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وما وكدتم من أيمان البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم وقلة المؤمنين وفقرهم {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القيامة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} إِذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب، وفيه تحذير عن مخالفة ملة الإسلام {وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} حنيفة مسلمة {ولكن يُضِلُّ مَن يَشَاء} من علم منه اختيار الضلالة {وَيَهْدِي مَن يَشَاء} من علم منه اختيار الهداية {وَلَتُسُئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يوم القيامة فتجزون به.
{وَلاَ تَتَّخِذُواْ أيمانكم دَخَلًا بَيْنَكُمْ} كرر النهي عن اتخاذ الإيمان دخلًا بينهم تأكيدًا عليهم وإظهارًا لعظمه {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها.
وإنما وحدت القدم ونكرت لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن تثبت عليه فكيف بأقدام كثيرة {وَتَذُوقُواْ السوء} في الدنيا {بِمَا صَدَدتُّمْ} بصدودكم {عَن سَبِيلِ الله}.
وخروجكم عن الدين، أو بصدكم غيركم لأنهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدوا لاتخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها {وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} في الآخرة.
{وَلاَ تَشْتَرُواْ} ولا تستبدلوا {بِعَهْدِ الله} وبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم {ثَمَنًا قَلِيلًا} عرضًا من الدنيا يسيرًا كأن قومًا ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين، ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبتهم الله {إِنَّمَا عِنْدَ الله} من ثواب الآخرة {هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا عِندَكُمْ} من أعراض الدنيا {يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله} من خزائن رحمته {بَاقٍ} لا ينفد {وَلَنَجْزِيَنَّ} وبالنون: مكي وعاصم: {الذين صَبَرُواْ} على أذى المشركين ومشاق الإسلام {أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ مَنْ عَمِلَ صالحا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى} {من} مبهم يتناول النوعين إلا أن ظاهره للذكور فبين بقوله: {من ذكر أو أنثى} ليعم الموعد النوعين {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} شرط الإيمان لأن أعمال الكفار غير معتد بها وهو يدل على أن العمل ليس من الإيمان {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيِّبَةً} أي في الدنيا لقوله: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وعده الله ثواب الدنيا والآخرة كقوله: {فاتاهم الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة} [آل عمران: 148]، وذلك أن المؤمن مع العمل الصالح موسرًا كان أو معسرًا يعيش عيشًا طيبًا إن كان موسرًا فظاهر، وإن كان معسرًا فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضا بقسمة الله تعالى.
وأما الفاجر فأمره بالعكس، إن كان معسرًا فظاهر، وإن كان موسرًا فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه.
وقيل: الحياة الطيبة القناعة أو حلاوة الطاعة أو المعرفة بالله، وصدق المقام مع الله، وصدق الوقوف على أمر الله، والإعراض عما سوى الله.
{فَإِذَا قَرَأْتَ القرءان} فإذا أردت قراءة القرآن {فاستعذ بالله} فعبر عن إرادة الفعل بلفظ الفعل لأنها سبب له، والفاء للتعقيب إذ القراءة المصدرة بالاستعاذة من العمل الصالح المذكور {مِنَ الشيطان} يعني إبليس {الرجيم} المطرود أو الملعون.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقال لي: «قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبريل عليه السلام» {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ} لإبليس {سلطان} تسلط وولاية {على الذين ءَامَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فالمؤمن المتوكل لا يقبل منه وساوسه {إِنَّمَا سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ} يتخذونه وليًا ويتبعون وساوسه {والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} الضمير يعود إلى ربهم أو إلى الشيطان أي بسببه {وَإِذَا بَدَّلْنَا ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ} تبديل الآية مكان الآية هو النسخ، والله تعالى ينسخ الشرائع بالشرائع لحكمة رآها وهو معنى قوله: {والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} وبالتخفيف: مكي وأبو عمرو {قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ} هو جواب {إذا} ً.
وقوله: {والله أعلم بما ينزل} اعتراض، كانوا يقولون إن محمدًا يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدًا فيأتيهم بما هو أهون، ولقد افتروا فقد كان ينسخ الأشق بالأهون والأهون بالأشق {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} الحكمة في ذلك.
{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس} أي جبريل عليه السلام أضيف إلى القدس وهو الطهر كما يقال حاتم الجود؛ والمراد الروح المقدس وحاتم الجواد والمقدس المطهر من المآثم {مِن رَبِّكَ} من عنده وأمره {بالحق} حال أي نزله ملتبسًا بالحكمة {لِيُثَبِّتَ الذين ءَامَنُواْ} ليبلوهم بالنسخ حتى إذا قالوا فيه هو الحق من ربنا، والحكمة لأنه حكيم لا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب، حكم لهم بثبات القدم وصحة اليقين وطمأنينة القلوب {وَهُدًى وبشرى} مفعول لهما معطوفان على محل {ليثبت} والتقدير تثبيتًا لهم وإرشادًا وبشارة {لِلْمُسْلِمِينَ} وفيه تعريض بحصول أضداد هذه الخصال لغيرهم.
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ} أرادوا به غلامًا كان لحويطب قد أسلم وحسن إسلامه، اسمه عائش أو يعيش وكان صاحب كتب، أو هو جبر غلام رومي لعامر بن الحضرمي، أو عبدان: جبر، ويسار، كانا يقرآن التوراة والإنجيل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقرآن، أو سلمان الفارسي {لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ} وبفتح الياء والحاء: حمزة وعلي {أَعْجَمِىٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ} أي لسان الرجل الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه لسان أعجمي غير بيّن، وهذا القرآن لسان عربي مبين ذو بيان وفصاحة ردًا لقولهم وإبطالًا لطعنهم، وهذه الجملة أعني {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي} لا محل لها لأنها مستأنفة جواب لقولهم.
واللسان اللغة.
ويقال: ألحد القبر ولحده وهو ملحد وملحود إذا أمال حفره عن الاستقامة فحفر في شق منه، ثم استعير لكل إمالة عن الاستقامة فقالوا: ألحد فلان في قوله، وألحد في دينه ومنه الملحد لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها.
{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله} أي القرآن {لاَ يَهْدِيهِمُ الله} ما داموا مختارين الكفر {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة على كفرهم {إِنَّمَا يَفْتَرِى الكذب} على الله {الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله} أي إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن لأنه لا يترقب عقابًا عليه وهو رد لقولهم {إنما أنت مفتر} {وَأُوْلئِكَ} إشارة إلى {الذين لايؤمنون} أي وأولئك {هُمُ الكاذبون} على الحقيقة الكاملون في الكذب، لأن تكذيب آيات الله أعظم الكذب أو وأولئك هم الكاذبون في قولهم {إنما أنت مفتر} جوزوا أن يكون {مَن كَفَرَ بالله مِن بَعْدِ إيمانه} شرطًا مبتدأ وحذف جوابه لأن جواب من شرح دال عليه كأنه قيل: من كفر بالله فعليهم غضب {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} ساكن به.
{ولكن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أي طاب به نفسًا واعتقده {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وأن يكون بدلًا من {الذين لا يؤمنون بآيات الله} على أن يجعل {وأولئك هم الكاذبون} اعتراضًا بين البدل والمبدل منه.
والمعنى: إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه، واستثنى منهم المكره فلم يدخل تحت حكم الإفتراء ثم قال: {ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضب من الله} وأن يكون بدلًا من المبتدأ الذي هو {أولئك} أي ومن كفر بالله من بعد إيمانه هم الكاذبون، أو من خبر الذي هو {الكاذبون} أي وأولئك هم من كفر بالله من بعد ايمانه وأن ينتصب على الذم.
رُوى أنَّ ناسًا من أهل مكة فتنوا فارتدوا، وكان فيهم من أكره فأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان منهم عمار، وأما أبواه ياسر وسمية فقد قتلا وهما أول قتيلين في الإسلام فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عمارًا كفر فقال: «كلا إن عمارًا ملىء إيمانًا من قرنة إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه» فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال: «مالك إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» وما فعل أبو عمار أفضل لأن في الصبر على القتل إعزازًا للإسلام.
{ذلك} إشارة إلى الوعيد وهو لحوق الغضب والعذاب العظيم {بِأَنَّهُمُ استحبوا} آثروا {الحياة الدُّنْيَا علىوا الآخِرَةِ} أي بسبب إيثارهم الدنيا على الآخرة {وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الكافرين} ما داموا مختارين للكفر {أُولَئِكَ الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وأبصارهم} فلا يتدبرون ولا يصغون إلى المواعظ ولا يبصرون طريق الرشاد {وَأُولَئِكَ هُمُ الغافلون} أي الكاملون في الغفلة لأن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها {لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ في الآخرة هُمُ الخاسرون}.
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ} يدل على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك {لِلَّذِينَ هاجروا} من مكة أي أنه لهم لا عليهم يعني أنه وليهم وناصرهم لا عدوهم وخاذلهم كما يكون الملك للرجل لا عليه فيكون محميًا منفوعًا غير مضرور {مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} بالعذاب والإكراه على الكفر {فَتِنوا} شامي أي بعد ما عذبوا المؤمنين ثم أسلموا {ثُمَّ جاهدوا} المشركين بعد الهجرة {وَصَبَرُوآ} على الجهاد {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} من بعد هذه الأفعال وهي الهجرة والجهاد والصبر {لَغَفُورٌ} لهم لما كان منهم من التكلم بكلمة الكفر تقية {رَّحِيمٌ} لا يعذبهم على ما قالوا في حالة الإكراه. اهـ.

.قال البيضاوي:

{إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل}.
بالتوسط في الأمور اعتقادًا كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك، والقول بالكسب المتوسط بين محض الجبر والقدر، وعملًا كالتعبد بأداء الواجبات المتوسط بين البطالة والترهب، وخلقًا كالجود المتوسط بين البخل والتبذير. {والإحسان} إحسان الطاعات، وهو إما بحسب الكمية كالتطوع بالنوافل أو بحسب الكيفية كما قال عليه الصلاة والسلام «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
{وَإِيتَاء ذِي القربى} وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه وهو تخصيص بعد تعميم للمبالغة. {وينهى عَنِ الفحشاء} عن الإِفراط في متابعة القوة الشهوية كالزنا فإنه أقبح أحوال الإنسان وأشنعها. {والمنكر} ما ينكر على متعاطيه في إثارة القوة الغضبية. {والبغي} والاستعلاء والاستيلاء على الناس والتجبر عليهم، فإنها الشيطنة التي هي مقتضى القوة الوهمية، ولا يوجد من الإنسان شر إلا وهو مندرج في هذه الأقسام صادر بتوسط إحدى هذه القوى الثلاث، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: هي أجمع آية في القرآن للخير والشر، وصارت سبب إسلام عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه، ولو لم يكن في القرآن غير هذه الآية لصدق عليه أنه تبيان لكل شيء وهدى ورحمة للعالمين، ولعل إيرادها عقب قوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} للتنبيه عليه. {يَعِظُكُمُ} بالأمر والنهي والميز بين الخير والشر. {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} تتعظون.
{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله} يعني البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} وقيل كل أمر يجب الوفاء به ولا يلائمه قوله: {إِذَا عاهدتم} وقيل النذور، وقيل الإِيمان بالله {وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان} أي أيمان البيعة أو مطلق الأيمان. {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} بعد توثيقها بذكر الله تعالى، ومنه أكد بقلب الواو همزة {وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} شاهدًا بتلك البيعة فإن الكفيل مراع لحال المكفول به رقيب عليه {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} من نقض الأيمان والعهود.
{وَلاَ تَكُونُواْ كالتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} ما غزلته، مصدر بمعنى المفعول. {مِن بَعْدِ قُوَّةٍ} متعلق ب {نَقَضَتْ} أي نقضت غزلها من بعد إبرام وإحكام. {أنكاثا} طاقات نكث فتلها جمع نكث، وانتصابه على الحال من {غَزْلَهَا} أو المفعول الثاني لنقضت فإنه بمعنى صيرت، والمراد به تشبيه الناقض بمن هذا شأنه، وقيل هي ريطة بنت سعد بن تيم القرشية فإنها كانت خرقاء تفعل ذلك. {تَتَّخِذُونَ أيمانكم دَخَلًا بَيْنَكُمْ} حال من الضمير في {وَلاَ تَكُونُواْ}، أو في الجار الواقع موقع الخبر أي لا تكونوا متشبهين بامرأة هذا شأنها، متخذي أيمانكم مفسدة ودخلًا بينكم، وأصل الدخل ما يدخل الشيء ولم يكن منه. {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} لأن تكون جماعة أزيد عددًا وأوفر مالًا من جماعة، والمعنى لا تغدروا بقوم لكثرتكم وقلتهم أو لكثرة منابذتهم وقوتهم كقريش، فإنهم كانوا إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم. {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ} الضمير لأنه تكون أمة لأن بمعنى المصدر أي يختبركم بكونهم أربى لينظر. أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسوله أم تغترون بكثرة قريش وشوكتهم وقلة المؤمنين وضعفهم، وقيل الضمير للرياء وقيل للأمر بالوفاء. {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القيامة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} إذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب.
{وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} متفقة على الإِسلام. {ولكن يُضِلُّ مَن يَشَاء} بالخذلان. {وَيَهْدِى مَن يَشَاء} بالتوفيق. {وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} سؤال تبكيت ومجازاة.